تشهد سوريَة مرحلة حاسمة في مسار تحولها الرقمي، مع جهود متسارعة تبذلها وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات بقيادة الوزير عبد السلام هيكل منذ أواخر مارس الماضي، لتطوير بنية الاتصالات وتوسيع نطاق الوصول إلى الإنترنت. وتستند هذه الجهود إلى قناعة راسخة بأن الربط الرقمي يشكّل ركيزة أساسية للتنمية المستدامة وتمكين المواطنين في مختلف المجالات.
ولكن التحديات التي تواجه البلاد كبيرة، إذ ما زالت آثار النظام السابق جاثمة على قطاع الاتصالات، الذي تراجع بنحو حاد خلال السنوات الماضية. وخير دليل على ذلك، ما جاء في تقريرٍ أصدرته شركة (Ookla) العالمية في يوليو الماضي، إذ احتلّت سوريَة المركز رقم 153 في سرعة الإنترنت الثابت، وهو المركز الأخير في القائمة، وذلك بحسب نتائج المؤشر العالمي لاختبارات (Speedtest)، كما احتلت سوريَة المركز رقم 100 من أصل 104 على مستوى متوسط سرعات الإنترنت عبر شبكات الهاتف، مما يشير إلى حجم التحديات التي يواجهها المسؤولون في العهد الجديد.
الإنترنت في سوريَة.. بنية تحتية قديمة وقيود أمنية خانقة:
يعتمد غالبية السوريين حتى الآن على شبكة (ADSL) القديمة، التي تستخدم كوابل نحاسية قديمة يزيد عمرها على 20 عامًا، ويؤثر هذا الاعتماد على بنية تحتية متهالكة بنحو مباشر في سرعة الاتصال وجودته، إلى درجة دفعت الكثيرين إلى وصف تلك الخدمة بـ”إنترنت السلحفاة”، نظرًا إلى البطء الشديد في سرعتها.
ومع محاولات تطوير الخدمة عبر الفايبر فإن التغطية لا تزال محدودة جغرافيًا، ولا تتجاوز بضعة آلاف من المشتركين، حسبما ذكرت وكالة الأنباء العربية السورية الرسمية (سانا) في وقت سابق.
ووفقًا لتقارير، فإن شبكة الكوابل كانت تدار بأساليب غير احترافية،خلال العهد سابق، إذ إنها لم تخضع لأي عمليات تطوير أو صيانة حقيقية، وهذا ما أدى إلى تدنٍ شديد في جودة الخدمة.
وكانت سياسة النظام المخلوع تقوم على التقييد والتحكم، حيث فرضت قيودًا أمنية مشددة على السرعات، فلم يكن يُسمح لأي مواطن بالحصول على سرعة إنترنت تزيد عن 4 ميجابت في الثانية إلا بعد الحصول على موافقات أمنية معقدة، مما خنق الإبداع وعزل البلاد عن العالم.
وأما فيما يتعلق بخدمة الإنترنت الخَلوي عبر شبكات 3G و 4G، فإنها لا تزا ل تعاني ضعفًا في التغطية وارتفاع الأسعار، إذ تصل تكلفة باقة 60 جيجابايت إلى أكثر من 80 ألف ليرة سورية (أي نحو 8 دولارات تقريبًا) وذلك في بلدٍ يتراوح فيه متوسط رواتب الموظفين في القطاع العام بين 80 و 100 دولار شهريًا.
وفي هذا الصدد، عدّ سوريون تحدثوا إلى موقع “البوابة التقنية” أن تلك الأسعار تفوق طاقتهم، بالإضافة إلى أنها مكلفة لمتوسط الرواتب والأجور.
وقال الطالب محمد الشيخ (18 عامًا) إن الإنترنت بات أمرًا مهمًا في تحصيل العلوم وتعزيز المعرفة للطلاب والتلاميذ، مؤكدًا أن توفره بشكل جيد ومعقول أضحى ضرورةً قصوى وليس رفاهية.
مشاريع واعدة وآمال مستقبلية:
أعلنت وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات خطوات عدة لتحسين خدمات الإنترنت في البلاد، إذ كشف الوزير عبد السلام هيكل في أواخر أغسطس الماضي عن عقد اتفاق لتوريد سعات إنترنت من الأردن ريثما يكتمل مشروع سيلك لينك، لافتًا إلى أن التوريد سوف يتم خلال أسابيع بعد إصلاح الكبل الضوئي من المعبر الحدودي بين البلدين (نصيب/جابر) إلى دمشق، لينعكس قريبًا بتحسّن ملحوظ في سرعة الإنترنت.
وأشار هيكل إلى أن مشروعات البنية التحتية تحتاج إلى وقتٍ، وأن العمل عليها جارٍ على قدم وساق.
وبرز الإنترنت الفضائي (خدمة ستارلينك) كحل محتمل، خاصة في المناطق النائية، حيث يتميز بسرعات عالية تصل إلى 200 ميجابت في الثانية ولا يعتمد على بنية أرضية. ومع ذلك، فإن تكلفته مرتفعة جدًا، إذ يتراوح سعر الجهاز بين 900 و 1300 دولار أميركي بالإضافة إلى اشتراك شهري يصل إلى 100 دولار.
كما أن تفعيل الخدمة يتطلب بطاقة ائتمان دولية، وهو أمر غير متاح بسهولة في سورية بسبب بعض العقوبات التي لا تزال تعانيها البلاد وتعود إلى زمن رئيس النظام المخلوع، بشار الأسد.
ومن جانبها، أعلنت الهيئة المنظمة للاتصالات والبريد أنها تنظر في طلبات استخدام محطات الاتصال الفضائي من الجهات الحكومية والسفارات والمنظمات الدولية فقط، وفي الحالات الطارئة التي لا تتوفر فيها خدمة الإنترنت من المزودين المحليين، كما منحت الهيئة في يوليو الماضي مهلة مدتها شهر لتسليم أي تجهيزات غير مرخصة، مؤكدةً أن استخدامها دون ترخيص يُعد مخالفة قانونية تستوجب المساءلة، وذلك كما أوضحت وسائل إعلام رسمية.
مشروع (سيلك لينك).. رؤية لمستقبل رقمي:
أطلقت وزارة الاتصالات السورية في 13 من مايو الماضي، مشروع (سيلك نت) SilkLink، الذي أكد الوزير هيكل أنه سوف يضع سورية على خريطة العالم الرقمية كممر إستراتيجي لحركة البيانات بين آسيا وأوروبا.
ونوّه هيكل بأن المشروع يعدّ نقلة نوعية في بنية الاتصالات من خلال إنشاء شبكة ألياف ضوئية جديدة وواسعة، والسعي إلى تنفيذه بطريقة PPP مع نخبة الشركات العالمية، وبأعلى جودة وأسرع وقت.
وعدّ الوزير أن مشروع (سيلك لينك) هو رؤية لمستقبل رقمي يليق بالسوريين ويرتقي إلى مستوى قدراتهم وتطلعاتهم الكبيرة، وخطوة لاستعادة مكانتنا التاريخية كنقطة لقاء للعالم ومركز للتواصل والتبادل تمامًا كما كنا على امتداد طريق الحرير.
